يمكن القول واستناداً الى جملة من المعطيات التي تمخضت عنها مسارات الدبلوماسية التركية – خصوصاً في الاعوام من 2011-2017- انه لا يمكن لأي باحث في الشؤون السياسية, او مراقب, او محلل سياسي ان يصل وعن طريق آليات التحليل السياسي الى المجازفة بطرح رؤية واضحة ومحدده لوجه ومسارات الدبلوماسية التركية في مثل هذه المرحلة, وهذا الامر بطبيعته ليس راجعاً لغياب الوقائع والمعطيات التي على أساسها يمكن ان يصار الى وضع الأسس العامة التي توجه مسارات الدبلوماسية التركية, وانما لان الدبلوماسية التركية هي دوماً انعكاس لتوجهات, وروئ سياسية, واستراتيجيات عمل تتبناه السياسة الخارجية التركية التي هي اصلاً غير مستقرة ومتغيرة باستمرار, لدرجة ان الباحث في الشأن السياسي التركي – وفي الأعم الاغلب- يبقى في دائرة الافتراضات والسيناريوهات المحتملة لتلك التوجهات والمسارات السياسية, اكثر من كونه يصل الى تحديد نهائي لمنطلقات الثابت والمتغير في تلك السياسات .
وعلى اساس هذا التوصيف العام … سنحاول في مثل هذا البحث ليس رسم معالم واضحة ومحدده للحراك الدبلوماسي في تركيا بعد عام 2018, بل محاولة استقراء للتحولات التي من الممكن ان تطرأ او تستجد على ابعاد الدبلوماسية التركية من ناحية تغير او اعادة تصحيح ومراجعة للمسارات المرسومة لها سابقاً, وذلك على اساس ما حصل من احداث ” مفصلية” غيرت من لعبة التوازنات الاقليمية والدولية في المنطقة العربية, سواء على مستوى العمق الجيوسياسي الاقليمي لتركيا, او فيما يخص العمق الدولي لها, مستندين في مثل هذا الامر – بتقديرنا- على عدة تحولات واحداث مفصلية في مثل هذين الدائرتين, من اهمها على صعيد الداخل التركي احباط محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والتداعيات الداخلية التي حصلت على اثرها, وفوز رجب طيب اردوغان بولاية رئاسية ثانية بعد الانتخابات والنتائج التي اسفرت عنها في تركيا عام 2018 ولقد كان لمثل هذا الفوز اهميته من حيث انه جاء بعد محاولة الانقلاب الفاشلة تلك, ولذلك استعاد اردوغان زمام المبادرة السياسية من جديد من خلال هذا الفوز باستغلاله لتداعيات هذا الانقلاب في توسيع دائرة نفوذه وصلاحياته, فقام بأجراء تعديل دستوري هام بموجبه خرجت تركيا من دائرة النظام البرلماني, الى النظام الرئاسي .